قطاع الغذاء والزراعة في تقرير رؤية 2030 السنوي 2024

المملكة العربية السعودية – أبريل 2025
ضمن التزام فودتك السعودية برصد التطورات الكبرى في قطاع الأغذية والزراعة، نستعرض في هذا التقرير أبرز ما تحقق خلال عام 2024 ضمن مسيرة تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030. نسلط الضوء على الإنجازات النوعية، والفرص الاستثمارية المتاحة لرواد الأعمال والمستثمرين، بالإضافة إلى التحولات الكبرى التي ترسم ملامح مستقبل الزراعة والأمن الغذائي في المملكة.

مستهدفات رؤية 2030 المتعلقة بالغذاء والزراعة

تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنتجات الغذائية الأساسية: تستهدف رؤية 2030 الوصول إلى نسب عالية من الاكتفاء الذاتي في الألبان والبيض وغيرها من السلع الأساسية بحلول 2030، بحيث تغطي الإنتاجات المحلية 100% من الطلب المحلي لتلك المنتجات (وقد تحقق ذلك بالفعل في الألبان والبيض بنسبة تفوق 100% حاليًا كما تشمل المستهدفات رفع الإنتاج المحلي من الدواجن والأسماك للوصول إلى الاكتفاء الكامل تدريجيًا خلال السنوات القادمة.

زيادة مساهمة قطاع الزراعة في الاقتصاد: تسعى الرؤية إلى رفع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي وتعزيز دوره في تنويع الاقتصاد غير النفطي. وتهدف إلى مضاعفة ناتج الزراعة بحلول 2030 مقارنة ببدايات الرؤية. (جدير بالذكر أن الناتج الزراعي السعودي بلغ في 2024 حوالي 114 مليار ريال محققًا رقمًا قياسيًا ومتجاوزًا التوقعات المرحلية

تعزيز الأمن الغذائي وتقليل الهدر: ضمان وفرة الإمدادات الغذائية واستقرار أسعارها ضمن المملكة، مع خفض نسبة الفقد والهدر الغذائي بنحو 50% عن مستوياتها الحالية بحلول 2030. (حاليًا يُقدر الهدر الغذائي بأكثر من 33% من الغذاء وبتكلفة 40 مليار ريال سنويًا، وتسعى البرامج الوطنية إلى خفضه إلى حوالى 15% عبر حملات توعية وتطوير سلاسل الإمداد). كما تتضمن الرؤية تحسين ترتيب السعودية في مؤشر الأمن الغذائي العالمي عبر هذه الجهود.

الريادة العالمية في بعض المنتجات الزراعية: زيادة القدرة التنافسية عالميًا في صادرات المنتجات الغذائية السعودية. على سبيل المثال، قطاع التمور السعودي – الذي تحتل فيه المملكة موقعًا رياديًا – ضمن أهدافه الحفاظ على الصدارة عالميًا في الإنتاج والتصدير. وتخطط المملكة أيضًا لرفع قيمة الصادرات الغذائية بشكل عام (حيث يستهدف التجمّع الغذائي بجدة وحده دعم الصادرات بقيمة 8 مليارات ريال سنويًا خلال العقد القادم ضمن جهود تحقيق هذه الغاية).

التنمية الزراعية المستدامة وحماية الموارد: ضمان استدامة الموارد الطبيعية المستخدمة في الزراعة عبر تحسين كفاءة استخدام المياه للري، والتوسع في التقنيات الزراعية الحديثة (كالزراعة الذكية والعمودية) للارتقاء بالإنتاجية دون استنزاف الموارد. كما تهدف الرؤية إلى تعزيز الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر ضمن مبادرة السعودية الخضراء، وذلك من خلال خطط لزراعة 10 مليارات شجرة في المملكة على المدى الطويل، وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة لزيادة مساحة الرقعة الزراعية الصالحة للإنتاج.

 

ملخص الإنجازات والفرص في قطاع الغذاء والزراعة (2024)

حقق قطاع الغذاء والزراعة السعودي إنجازات بارزة في عام 2024 ضمن مسيرة تحقيق رؤية 2030. ارتفعت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي إلى مستوى قياسي تاريخي بلغ 114 مليار ريال، مما يعكس تنامي الدور الاقتصادي للزراعة في المملكة. كذلك، نجحت المملكة في تحقيق مستويات غير مسبوقة من الاكتفاء الذاتي الغذائي؛ إذ يغطي إنتاج الألبان المحلي 109% من احتياجات السوق، بينما يغطي إنتاج البيض 116% من الاستهلاك المحلي – أي أن المملكة تنتج فائضًا للتصدير في هذين المنتجين الأساسيين. وإلى جانب ذلك، شهدت المنتجات الأخرى نموًا كبيرًا في نسبة الاكتفاء: فقد ارتفعت نسبة الاكتفاء في لحوم الدواجن إلى 60% (بعد أن كانت 40% فقط في عام 2016) كما وصل الاكتفاء في المنتجات البحرية إلى حوالي 55% من الطلب المحلي. هذه التطورات عززت الأمن الغذائي للمملكة وقدرتها على تأمين غذاء السكان محليًا رغم التحديات العالمية في سلاسل الإمداد.

على صعيد جودة الغذاء والصحة، أحرزت المملكة تقدمًا ملحوظًا يعكس تحسين معايير الغذاء؛ حيث صنّفت السعودية ضمن أفضل خمس دول في العالم من حيث خلوّ منتجاتها الغذائية من الدهون الصناعية المتحولة الضارة . يُظهرهذا الإنجاز نجاح جهود الهيئات السعودية (مثل هيئة الغذاء والدواء) في رفع معايير سلامة الغذاء وتحسين جودة المنتجات الغذائية المحلية. أما في جانب الاستدامة البيئية للزراعة، فقد تم غرس أكثر من 115 مليون شجرة في أنحاء المملكة حتى نهاية 2024 ضمن مبادرات التشجير التابعة لمبادرة السعودية الخضراء. وأسهمت هذه الجهود في إعادة تأهيل 118 ألف هكتار من الأراضي المتدهورة وإثراء التنوع البيئي، بما في ذلك إعادة توطين 7800 من الحيوانات المهددة بالانقراض في بيئاتها الطبيعية . هذه الخطوات لا تحسّن البيئة والمناخ فحسب، بل تدعم أيضًا القطاع الزراعي عبر حماية التربة وتعزيز الموارد المائية على المدى الطويل. وفي إطار حلول المياه المستدامة، شهد عام 2024 تدشين أول محطة تحلية مياه تعمل بالطاقة الشمسية في العالم داخل المملكة، مما يوفر مصدراً جديدًا للمياه الصالحة للري والزراعة بتكاليف منخفضة وبشكل صديق للبيئة. جميع هذه الإنجازات النوعية في مجالات الإنتاج الغذائي وسلامة الغذاء والاستدامة تؤكد نجاح المملكة في تسريع خطى تحقيق مستهدفات رؤية 2030 المتعلقة بهذا القطاع.

أما على صعيد الفرص الاستثمارية، فيشهد قطاع الأغذية والزراعة زخمًا كبيرًا يجعل منه وجهة جاذبة لرواد الأعمال والمستثمرين المحليين والدوليين. أطلقت المملكة مبادرات عدة لتحفيز الاستثمار وتعظيم القيمة المضافة في هذا القطاع الحيوي. فعلى سبيل المثال، تم في 2024 تدشين التجمع الغذائي بمدينة جدة – وهو أكبر تجمع صناعي غذائي في المنطقة – بهدف تطوير الصناعات الغذائية وزيادة قدرات الإنتاج والتخزين. يستهدف هذا المشروع الطموح جذب استثمارات بقيمة 20 مليار ريال من القطاع الخاص، ويتوقع أن يُسهم في رفع الصادرات الوطنية من الأغذية بحوالي 8 مليارات ريال سنويًا بالإضافة إلى إحداث أثر اقتصادي يقدر بـ7 مليارات ريال في الناتج المحلي خلال العقد المقبل . هذه الفرصة الاستثمارية الكبرى تُعَد حجر الزاوية لتحقيق قفزة في تصنيع المنتجات الغذائية محليًا وتحويل المملكة إلى مركز إقليمي رائد في الصناعات الغذائية، مما يخلق آفاقًا جديدة للشركات السعودية والشراكات الدولية.

إلى جانب المشاريع المحلية، يجذب القطاع الزراعي السعودي شركات التكنولوجيا الزراعية العالمية للاستثمار ونقل المعرفة. شهد عام 2024 اهتمامًا متزايدًا من قبل شركات دولية رائدة في تقنيات الزراعة الحديثة من أوروبا وآسيا، حيث افتتحت بعض تلك الشركات مقرات إقليمية في المملكة بالفعل . فعلى سبيل المثال، شركات من هولندا وإسبانيا والصين تعمل على تقديم حلول تقنية متقدمة في مجالات الزراعة الذكية وترشيد استهلاك المياه داخل السعودية. هذا التواجد الدولي يوفر للمزارعين ورواد الأعمال السعوديين فرصة ذهبية للتعاون والاستفادة من الخبرات العالمية وتبني أحدث التقنيات (كالاستزراع المائي المتقدم، البيوت المحمية عالية التقنية، أنظمة الري الذكية بالاستشعار عن بُعد، وغيرها). كذلك، يستفيد المستثمرون من برامج تمويل حكومية ميسرة (مثل قروض صندوق التنمية الزراعية) ومن الاستراتيجيات الوطنية الداعمة – كبرنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة – والتي توفر حوافز للتوسّع في مشاريع إنتاج الأغذية العضوية والحيوانية. مجمل هذه التطورات يرسم صورة قطاع حيوي متجدد، يجمع بين النمو الاقتصادي والاستدامة، ويقدم فرصًا واسعة للابتكار والشراكات بما يعود بالنفع على المستثمرين ورواد الأعمال وعلى تحقيق أمن المملكة الغذائي في آن واحد.

مشاركة المقال